سليمان عليه السلام: النبي الملك ومملكة دانت لها الإنس والجن والطير


سليمان بن داود، عليهما السلام، شخصية فريدة في التاريخ والنبوة، اجتمعت له النبوة والملك والحكمة، فكان نموذجًا للحاكم العادل والنبي الشاكر. وقد وردت قصته مفصلة في القرآن الكريم والسنة النبوية، لتكون عظة وعبرة لنا في الإيمان والقوة والعدل.

وراثة النبوة والملك والخصائص الإلهية

تولى سليمان، عليه السلام، مقاليد الحكم بعد وفاة والده النبي داود، عليه السلام، وقد ورث عنه العلم والملك والنبوة، وهي وراثة روحية وإدارية لا وراثة مالية، إذ أن أموال الأنبياء لا تورث بل تكون صدقة. ومما خصه الله به دعوته الشهيرة: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ (ص: 35)، فاستجاب الله له ومنحه ملكًا عظيمًا لم يتكرر لأحد من بعده.



كان أبرز ما ميز ملكه هو تسخير الجن والإنس والطير لخدمته، بالإضافة إلى تعليمه منطق الطير، كما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ (النمل: 16). كما سُخرت له الريح تجري بأمره غدوها شهر ورواحها شهر، مما سهل له السيطرة والتنقل السريع في مملكته الواسعة.

العدل والحكمة في القضاء

اشتهر سليمان، عليه السلام، بحكمته البالغة وعدله في القضاء، وهو ما ورثه من أبيه داود، وقد ظهرت حكمته في قصص عديدة، مثل قضاءه في مسألة الحرث الذي أتلفت فيه الغنم زرع القوم، حيث أظهر رؤية متكاملة تتجاوز الحكم الظاهر، فكافأ المتضرر وألزم المتسبب بالتعويض بطريقة تحقق النفع للطرفين. كما كان يولي اهتماماً كبيراً بشؤون مملكته، متفقداً أحوال جنده، حتى الطير منهم.

قصة الهدهد وملكة سبأ

تُعد قصة سليمان مع الهدهد وملكة سبأ (بلقيس) من أشهر القصص التي وردت في القرآن الكريم، وتكشف عن عظمة ملكه وحكمته في الدعوة إلى الله. عندما تفقد سليمان الطير وغاب عنه الهدهد، جاء الهدهد بالخبر اليقين عن مملكة في اليمن تحكمها امرأة عظيمة تعبد وقومها الشمس من دون الله.

أرسل سليمان رسالة إلى بلقيس يدعوها فيها إلى الإسلام، وعندما أرسلت له بلقيس الهدايا ليختبره، رفضها سليمان وأصر على دعوتها للإيمان. بعدها، طلب من حاشيته إحضار عرشها قبل وصولها، فقام بذلك الذي عنده علم من الكتاب في لمح البصر. وعندما وصلت بلقيس ورأت عرشها، أدركت عظمة ملك سليمان وأن وراء هذا الملك قوة إلهية، فآمنت بالله وقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (النمل: 44). هذه القصة تُبرز كيف كانت قواه المعجزة وسيلة للدعوة إلى التوحيد والإيمان.

وفاة سليمان عليه السلام وإظهار عجز الجن

تجلّت حكمة الله في وفاة سليمان، عليه السلام، فقد قبضت روحه وهو متكئ على عصاه، ولم تعلم الجن بموته إلا بعد أن أكلت دابة الأرض عصاه وسقط على الأرض، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ (سبأ: 14). وكانت هذه الآية دليلاً قاطعًا على أن الجن لا يعلمون الغيب، لولا ذلك لعلموا بوفاته وتوقفوا عن العمل الذي كانوا مكلفين به.

تبقى قصة النبي سليمان، عليه السلام، منارًا يهدي إلى عظمة الخالق وإظهار شكر النعم، وأن الملك والسلطان الحقيقيان هما في .طاعة الله واستغلال الموهبة والقدرة في الدعوة إليه. 

Post a Comment

Previous Post Next Post